الإثنين 25 نوفمبر 2024

في أحد الغرف

في أحد الغرف بقلم مريم محمد

انت في الصفحة 1 من 7 صفحات

موقع أيام نيوز

في أحدى الغرف في بيت للطالبات المغتربات في كانت هاله نائمة و شعرها الأسود منتشرا على الوسادة و في تمام الساعة الثامنة صباحا أفاقت من نومها و هي تفتح عينيها بصعوبة بالغة فقد سهرت طوال الليل تذاكر فهي في بداية عامها الدراسي الأخير حيث تدرس اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة دخلت هاله الى الحمام لتغتسل و تتوضأ لتصلي الضحى قبل التوجه الى كليتها لتلحق بالمحاضرة الأولى في تمام الساعة العاشرة و قد اعتادت هاله أن تذهب الى الجامعة سيرا على الأقدام و ذلك لتوفر المال ليكفيها طوال الشهر حيث أنها من أسرة بسيطة تعيش في الأرياف و هي ابنة وحيده لوالدتها المسنة والتي ربتها بمفردها بعد ۏفاة والدها منذ أن كانت طفلة صغيرة 

ارتدت هاله بنطالا من الجينز الأزرق و قميصا طويلا أبيض اللون و حذاءا أبيض و رفعت شعرها للأعلى و ارتدت نظارتها الطبية و حملت حقيبتها الزرقاء المصنوعة من قماش الجينز و غادرت الغرفة تاركة زميلتها عاليا نائمة فهي لا تلتزم بحضور محاضراتها في كلية التجارة أغلقت هاله باب الغرفة بهدوء و نزلت لتبدأ رحلتها اليومية للجامعة حيث تستغرق خمس و أربعون دقيقة لتصل الى كليتها و في طريقها و قفت لشراء افطارها الذي يتكون عادة من ساندويتش من الفول وكوبا من الشاي بأحد المطاعم الرخيصة في طريق الجامعة و بعد ان أنهت افطارها أكملت طريقها و لم تهتم لنظرات الأعجاب التي تحيط بها بالرغم من بساطة ملابسها الا أنها ممشوقة القوام و جميلة الملامح فعيونها سوداء واسعة تحيط بها رموشا طويلة و أنفها رقيق و كانت سعيدة لأن اليوم هو يوم الخميس الأول من الشهر حيث ستسافر لتزور والدتها الحبيبة فهي تزورها مرة واحدة كل شهر حتى يكفيها المال الذي تبعثه اليها والدتها من معاش والدها البسيط لتكمل به الشهر كاملا ابتسمت هاله و هي تتذكر كيف تقضي النصف الاخير من الشهر فقد تكتفي بوجبة واحدة فقط و ربما كوبان من الشاي طوال اليوم كانت هاله تشعر بالرضا و لا تحزن لأنها لا تملك ملابس او هواتف محمولة مثل باقي زميلاتها بل كانت تتميز بين زميلائها بشخصيتها القوية و أخلاقها الراقية و كان لها الكثير من الأصدقاء خاصة أنها متفوقة و كل عام تكون من الخمس الاوائل على دفعتها كانت هاله دائما تنتظر اليوم الذي تنهي فيه دراستها و يتم تعيينها كمعيدة في الكلية و تدخل السعادة على قلب والدتها الغالية فكرت هاله 
أنهت هاله محاضراتها و اتجهت الى باب المبنى لتخرج منه فاستوقفها صوت شريف زميلها الذي يكن لها أعجابا لا يستطيع اخفاءه بالرغم من محاولته 
شريف هاله رايحه فين علطول كده
هاله وهي تحاول انهاء المحادثه سريعا ازيك يا شريف معلش اصلي مسافره البلد انهارده و عايزه الحق القطر عن اذنك
شريف تحب أوصلك المحطة بعربيتي
هاله بملل شريف بقالنا تلات سنين وآدي الرابعة بقولك شكرا مبركبش عربيات مع حد
شريف بس احنا زمايل في كلية واحده
هاله معلش يا شريف وعن أذنك بقى
تنطلق هاله في طريقها بينما يقف شريف يتابعها بعينيه و يأتيه صوت صديقه هاني 
هاني اييييييييييييييه يا بني روحت فين
شريف هتجنني يا هاني
هاني انا مش عارف عاجبك فيها ايه هي أي نعم حلوه بس بلدي أوي و مش ستايلك خالص
شريف اسكت بقى متتكلمش عنها كده
هاني يا بني ده انت كل البنات ھتموت عليك انت ناسي انت ابن مين
شريف لا طبعا مش ناسي بس أنا بحبها بجد
هاني بص يا شريف هاله ده بنت جد وحاطه هدف لازم توصله ومش هتسمح لأي حد يعطلها حتى لو كان واحد زيك وبيحبها
شريف يعني مش هتحبني أبدا
هاني معتقدش ويلا بقى يا معلم ده انهارده ليلة الخميس هنسهر للصبح
شريف يلا بينا هنروح فين انهارده
هاني انا بقول نروح سوليتير سمعت ان خالد سليم هيغني هناك
شريف طيب يلا نروح نتغدى ونغير و ننزل
هاني يلا بينا
و صلت هاله محطة القطار وجلست تنتظر وصول القطار و عندما وصل تدافع الناس للدخول الى عربة الدرجة الثالثة صعدت هاله و جلست بجوار سيدة مسنه ذكرتها بوالدتها و ظلت هاله طوال الطريق تفكر في مستقبلها و كيف أنها تريد تعويض والدنها عن كل ما عانته في سبيل تربيتها و تعليمها
طرقت هاله الباب لكن الباب لم يفتح أين أنت يا أمي هل أنت نائمة أم خرجتي لشراء بعض الأغراض ذهبت هاله لتطرق باب جارتها السيدة فاطمة لتسألها عن والدتها 
هاله السلام عليكم يا حاجه فاطمة متعرفيش ماما فين
فاطمة بحزن حمدلله على سلامتك يا ضنايا
هاله پخوف هي ماما فين
فاطمة اطمني يا بنتي مامتك بخير بس هي بعافية شوية و ديناها المستشفى العمومي من يومين
لم تكمل هاله حديثها مع السيدة فاطمة بل ركضت مسرعة متوجهه الى المستشفى لترى والدتها وصلت هاله الى المستشفى العام الوحيدة الموجوده في قريتها البسيطة و سألت عن والدتها و وجدت أنها موجودة في الدور الأول الخاص بأمراض الكلى صعدت هاله الدرج وهي مازالت تلهث من أثر الركض الطويل و وصلت الى الغرفة لتجد أن بها عددا كبيرا من الأسرة المليئة بالمرضى و ظلت تبحث بين الوجوه حتى رأت وجها رقيقا نائما و عليه علامات الألم الشديد أقتربت هاله من والدتها و قبلت رأسها برفق وقالت بصوت خاڤت 
هاله ماما أنا جيت يا حبيبتي
الأم تفتح عينيها ببطء لتنظر الى وجه طفلتها الغالية هاله حمدلله على سلامتك يا حبيبتي وصلتي امتى
هاله والدموع تتساقط من عينيها لسه واصله وجيتلك جري
الأم متعيطيش يا حبيبتي أنا كويسة
هاله و هي لا تستطع التوقف عن البكاء حاسه بإية
الأم شوية ۏجع في جنبي
هاله الدكتور قالك ايه
الأم قالي لازم أعمل غسيل كلى
هاله احست بالړعب فمن أين ستأتي بالمال اللازم لعلاج والدتها
هاله مطمئنة والدتها متقلقيش يا ماما ان شاء الله هتخفي وترجعي بيتك
الأم مش باين يا هاله 
هاله اوعي تقولي كده تاني انتي هتعيشي لغاية ما تشيلي عيالي مش دايما بتدعي ربنا بكده
الأم كان نفسي يا حبيبتي أفرح بيكي
هاله ان شاء الله هتكوني كويسة
الأم و الألم يزداد عليها المهم خلي بالك انت من نفسك
هاله و انتي كمان
ارتمت هاله في أحضان والدتها و بكت بكت خوفا من أن تفقدها كما فقدت والدها من قبل خوفا من أن تعيش وحيدة في هذه الحياة القاسېة  
جاءها صوت الطبيب من خلفها 
الطبيب أزيك انهارده يا حاجه
الأم بخير يا ابني الحمد لله
الطبيب طيب يلا عشان
معاد المسكن
الأم حاضر
هاله هي حالتها ايه يادكتور
الطبيب انتي بنتها مش كده
هاله ايوه انا
الطبيب مخبيش عليكي لازم نعمل غسيل كلى مرتين في الأسبوع لغاية ما نقدر نعمل عملية
هاله و الغسيل بيتكلف كام
الطبيب ينظر اليها و هو مشفقا عليها لصغر سنها 200جنيه المرة الواحده و لازم تغسل 3 مرات في الاسبوع
أحست هاله بالدوارمن أين لها بهذا المبلغ الكبير كيف ستعالج والدتها ماذا تفعل 
جلست هاله على مقعدها في القطار و كأنها في عالم آخر هل ستجد عملا مناسبا هل ستحصل على راتب يكفي ثمن علاج والدتها هل ستستطيع الاستمرار في دراستها و تفوقها في ظل الظروف الراهنة يااااااااااااااا رب يسر لي أمري و أشفي والدتي العزيزة يا رب ليس لي سواك يدبر لي أموري بحكمته و رحمته و كرمه 
عاليا بقلق بالغ مالك يا هاله ايه اللي حصل
هاله من بين دموعها ما ما تعب انه أوي يا عاليا
عاليا اهدي بس و احكيلي ايه اللي حصل بالضبط
جلست هاله فوق فراشها و قصت لصديقتها كل ما مرت به منذ وصولها لبلدتها و حتى عودتها السريعة صمتت كلتاهما يفكران كيف تحصل هاله على وظيفة حتى تدفع تكاليف العلاج لوالدتها و كانت عاليا هي اول من بدأ في الحديث 
عاليا لقيتها !!!!!
هاله ها قولي بسرعة
عاليا انتي تقدمي في أي مكتب ترجمة
هاله تضحك بحزن بقولك عايزة جنيه في الشهر غسيل كلى و حقن بس ده غير باقي الحاجات
عاليا طيب و موضوع العلاج على نفقة الدولة مينفعش
هاله عقبال ما اعمل الاجراءات تكون ماما راحت مني
عاليا بعد الشړ عليها
هاله بقولك ايه تعرفي تجيبيلي الجرايد من أي حد هنا
عاليا بس كده حالا هروح اوضة مي و مروة و ارجعلك هوا
عادت عاليا و معاها بعض الصحف والمجلات و جلس كلا من هاله و عاليا يبحثان عن وظيفة مناسبة 
بهاله انا لسة متخرجتش و كمان المرتب هيكون كام 500 1000 ميعملوش حاجه
عاليا طيب ايه رأيك سكرتيرة في شركة
هاله والمحاضرات بتاعت الصبح
عاليا طيب استني هدور تاني
كانت هاله تتصفح مجلة و لفت نظرها اعلان قصير مكتوب باللغة الانجليزية 
مطلوب فتاة لمرافقة سيدة كفيفة و الراتب مغري جدا 
نظرت هاله للإعلان و كأنها وجدت ضالتها فقالت لصديقتها 
هاله هو ده
عاليا وريني كده
قرأت عاليا الاعلان و قالت 
عاليا بس يا هاله يمكن يكون ناس مش كويسين و لا حاجة
هاله عندك حل تاني انا هروح بكره الصبح عالعنوان و ربنا يستر
عاليا طيب ندور على حاجه تانيه في شركة ولا مجلة
هاله وهي حزينة و خائڤة و هو مرض أمي هيستنى
عاليا طيب انا هآجي معاكي الصبح
هاله مش عارفة من غيرك كنت هعمل ايه
نامت عاليا بينما ظلت هاله تنظر من النافذه و هي تفكر ما الذي تخفيه لها الأيام 
يا ترى ايه اللي هيحصل 
استيقظت هاله من نومها المتقطع و بعد أن أقامت صلاتها أيقظت عاليا برفق 
هاله عاليا يلا عشان ننزل
عاليا وهي تتثاءب ايه يا لولو لسه بدري اوي
هاله معلش عايزه ألحق أوصل عشان أكون أول واحده تتقدم للوظيفة
عاليا طيب حاضر هقوم ألبس
ارتدت هاله قميضا طويلا أبيض اللون و بنطالها الجينز و حقيبتها الوحيدة و حذاء بسيط أبيض اللون و جمعت شعرها للخلف و ظلت تدعو الله ان يوفقها لما يحب و يرضى انتهت عاليا من ارتداء ملابسها و انطلقتا الصديقتان في طريقهما للعنوان الذي يقع في حي الزمالك الهادئ و عندما وصلا للعنوان وجدا نفسيهما أمام قصرا كبيرا و فخما و كأنه قصر لأمير في حكايات ألف ليلة وليلة نظرت الفتاتان احداهما للأخرى بقلق ثم ابتسمت عاليا قائلة 
عاليا سيدي يا سيدي هي ده الوظايف و لا بلاش
هاله يعني شوفتيني خدت الوظيفة!!!!
عاليا متقلقيش ان شاء الله هتكون الوظيفة ده من نصيبك
هاله يااااااااااااا رب
دخلت هاله وهي ترتعش و معها عاليا الى حديقة القصر الممتلئة بالزهور الملونة و أشجار الفواكه و كلما أقتربتا من باب القصر الضخم كلما زادت
رائحة زهور الياسمين التي تنتشر حول الباب في شكلها الرقيق و الجميل وقفت هاله أمام الباب و هي
 

انت في الصفحة 1 من 7 صفحات